تمهيد:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد: فإن الله تبارك وتعالى خلقنا في هذه احياة لحكمة عظيمة يحبها ويرضاها ألا وهي عبداته وحده لا شريك له كما قال تعالى: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ "}الذاريات:55{.
وقد ميز الله الإنسان من بين سائر المخلوقات بأن منحه العقل الذى يستطيع أن يعرف به ربه ويستطيع أن يميز بين ما ينفعه ويضره، ومن رحمته سبحانه بعباده لم يكلهم في معرفة الخير والشر إلي العقل وحده، بل أرسل الرسل وأنزل الكتب التي تشتمل على أوامر الله ونواهيه وأحكامه التى فيها سعادة البشر في الدنيا والآخرة.
وبعد إرسال الرسل لا تبقى حجة او عذر لضال أو زائغ عن طريق الله، بل يكون مستحقا للعذاب، قال تعالى: "رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً "}النساء:165{.
وقد ختم الله الرسل بنبينا محمد صلي الله عليه وسلم فهو خاتم الرسل وافضلهم. وقد أنزل عليه أفضل الكتب فكانت شريعتة أكمل وأجمل الشرائع ولك يلتحق صلى الله عليه وسلم بالرفيق الاعلي حتي اكمل الله الدين وأتم النعمة كما قال تعالى فى الآية التى أنزلت قبيل وفاته صلى اله عليه وسلم وذلك في يوم عرفه وهو بالموقف فى حجة الوداع "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً"}المائدة:3{. فلم يبق مجال لأحد كائما من كان أن يبتدع في الدين شيئا أو يزيد فيه أو ينقص منه. وكان أول ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه ةسلم هو التوحيد المتمثل فى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وقد مكث بمكة بعد البعث ثلاثةعشر عاما يدعو إلى هذه الكلمة ولم يدع إلى شئ غيرها، وقد أطبقت الرسل علي الدعوة إالى هذه الكلمة، فما منهم من أحد إلا افتتح دعوته لقومه بقوله " اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ" }الأعراف:59{. فالتوحيد هو زبدة الرسالات وغايتها وقطب رحاها ترتكز كلها عليه وتستند في وجودها إليه ولنستشهد ببعض الآيات في ذلك:
قال الله تعالى: "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" }النحل:36{.
وقال تعالى: " لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ" }الأعراف:59{.
وقال تعالى:"َإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ" }الأعراف:65{.
وقال تعالى:"وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ"}هود:61{.
وقال تعالى:"وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ"}هود:84{.
إلى غير ذلك كم الآيات التى تنص على أن الدعوة إالى التوحيد هي أول ما يفاتح به الرسل قومهم لأن التوحيد هو أساس الإسلام الذى هو دين الرسل والأنبياء جميعا فإذا ثبت الأساس يبنى عليه غيره من العبادات والأحكام.
وليس معنى هذا أن يستهين الدعاة بفروع الإسلام الأخرى، ولكن من المتفق عليه أنه لا يصح عمل ولا يقبل ما لم تكن عقيدة صاحب هذا العمل مستفيمة وصحيحة. كما أنه لا يصح أن نبنى دارا قبل أن نثبت الأساس الذى تبنى عليه، وإلا فإن البناء سرعان ما ينهار ويسقط؛ ويؤكد هذا أن الشرك: وهو ضد التوحيد أعظم إثما وجرما مما سواه ولذلك أخبر الله تعالى أنه من مات على الشرك لا يغفر الله له. قال تعالى:" إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ"}النساء:116{.
وكل ذنب يقترفه الإنسان دون الشرك بالله والكفر به هناك رجاء أن يغفره الله ويدخل صاحبه الجنو إذا كان سالما من أوضار الشرك. أما من مات على الشرك بالله ولو كان يدعى الإسلام فمصيره المحتوم هو النار أجارنا الله وإياكم منها.
لذلك أيها الأخوة وأيها الدعاة يجب ألأن ننتبه لهذا الأمر العظيم ولهذا الأمر الجليل فندعو الناس إلى التوحيد ونحذرهم من الشرك بالله ونجعل ذلك فى رأس قائمة ما ندعو إليه.
وحينا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن ليدعوهم إالى الله علمه كيف يبدأ دعوته حيث أرشده إالى الأهم فالمهم. فعن ابن عباس رضى الله عنهما " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إالى اليمن قال له: إنك تأتى قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله - في رواية أن يوحدوا الله - فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخد من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب"(متفق عليه).
والشاهد من الحديث هو إرشاده صلى الله عليه وسلم معاذا إالى كيفية الدعوة وأن يبدأ بالدعوة إالى التوحيد قبل كل شئ فمتى دخلوا في التوحيد فحينئذ يدعوهم غألى الشرائع الأخرى بادئا بالصلاة التى هى رأس العبادات، فينبغى أن يكون لكل داعية ى رسول الله أسوة حسنة.
أيها الأخوة.. وإذا علم هذا فإن هناك دعوات هدامة قامت في صفوف المسلمين زعزعت العقيدة ف قلوب كثير من المسلمين، وعكرت صفاء العقيدة الأسلامية وتدرجت في مدارجها حتى بلغت مبلغا خطيراأدى إلى تفرق المسلمين إلى شيع وأحزاب حيث يصدق عليهم قوله صللى الله عليه وسلم:" ألا وإن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهى الجماعة". رواه أحمد وأبو داود وحسنه الحافظ ولا شك أن كل فرقة من هذه الفرق تزعم نفسه أنها هى الفرقة الناجية، وأنها على الصواب، وأنها تتبع الرسول دون غيرها، علما بأن طريق الحق هو طريق واحد، وهو المؤدى إالى النجاة وما سواه فهى طرق ضلال تؤدى إلى الهلاك كما وردت فى الحديث عن ابن مسعود رضى الله عنه قال:" خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده وقال: هذا سبيل الله مستقيما، ثم خط خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ: "وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ")صحيح رواه أحمد والنسائى). فطريق الحق هو التمسك بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدم مخالفتهما كما ورد فى الحديث: " تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتى، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض"(صحيح رواه الحاكم).
وقد بشرنا النبى صلى الله عليه وسلم ببقاء طائفة من امته على الحق إالى يوم القيامة فعن جابر بن عبدالله رضى الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تال طائفة من أمتى يقاتلون على الحق ظاهرين إالى يوم القيامة" (رواه مسلم).
أيها الأخوة: كان ذلك تمهيدا للموضوع الذى سأتطرق إليه وهو: " الصوفية فى ضوء الكتاب والسنة" ذلك لأن الصوفية قد لعبت دورا كبيرا فى حياة المسلمين منذ القرن الثالث الهجرى إالى يومنا هذا وقد بلغت أوج مجدها فى القرون المتاخرة، وقد أثرت ثأثيرا بالغا فى عقائد المسلمين وغيرتها عن مسارها الصحيح الذى جاء به القرآن الكريم والنة المطهرو وكان ذلك اخطر جانب من جوانب الصوفية حيث اقترن بالفكر الصوفى التعلق بالأولياء والمشايخ والمبالغة في تقديس الأموات كام اقترن بها القول بالحلول ووحدة الوجود، إضافة إالى ما أفسدت الصوفية من الجوانب الأخرى. حيث يتسم اتباعها بالتواكل والرهبنة كما أنها علطلت الروح الجهادية فى الأمة الأسلامية إذ اشتغلوا عن الجهاد الأسلامى الذى هو القتال فى سبيل الله - حيث يسمونه اللجهاد الصغر- اشتغلوا عنه على حد زعمهم بالجهاد الأكبر وهو جهاد النفس - مستندين إلى حديث " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس" وهو حديث باطل مما أتاح للدول الاستعمارية الفرصة فى الرنين الماضيين باحتلال أغلب ديار المسلمين ولا تزال الصوفية ضاربة أطنابها فى جميع أرجاء بلاد المسلمين.