التشافـــــــــــي بالقـــــــــــــــــــرآن
الأستاذ الدكتور أحمد القاضـــــــي
وإيـــــــــمـان أبو السعـــــــــود القاضـــــــــــــي
بسم الله الرحمن الرحيم
(وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين)(123). وإن لكم في القرآن لما يشفيكم (124).
الأثر الشافي للقرآن حقيقة مقررة نص عليها الله تعالى في كتابه الكريم، وأوصى بها الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا الأثر الشافي له أوجه متعددة ومظاهر كثيرة بدأنا في السنوات الأخيرة نفهم بعضها، وما زلنا لم نسبر غور أغلبها؛ ونسأل الله تعالى أن يزدنا فيها علماً. وفى هذه العجالة نذكر بعض أوجه الأثر الشافي للقرآن التي ثبت لنا بالتجربة العلمية أثرها وفعاليتها.
1- الأثر الشافي للاستماع للقرآن:
ثبت بالتجربة المقارنة أن الاستماع إلى تلاوة القرآن ينتج عنه تغيرات في عدد من الوظائف الحيوية في الجسم البشري؛ والتي يمكن قياسها ورصدها إلكترونيا. وهذه التغيرات الفيزيولوجية تصاحب في العادة عمليات الشفاء، وهى مضادة للتغيرات التي تصاحب الحالات المرضية. وتظهر هذه التغيرات الفيزيولوجية الإيجابية عند من يفهم اللّغة العربية ومن لا يفهمها، وإن كانت التغيرات أعمق وأكثر وضوحاً حين يتوفر فهم معاني كلمات القرآن.
2- الأثر الشافي للرقية (أي اللمس مع قراءة القرآن):
ثبت عن طريقة التصوير الكهربائي (تصوير كيرليان) أن قراءة القرآن تحدث تغيرات إيجابية في مجال الطاقة الكهربائية المغناطيسية المحيطة بجسـم
123- سورة الإسراء آية: 82
.124- قول مشهور.]
وأطراف القاريء، وثبت كذلك أن هذه التغيرات في المجال الكهربائي المغناطيسي للقاريء تؤثر تأثيراً إيجابياً على المجال الكهربائي المغناطيسي للمقروء عليه، أو المرقى. وهذه التغيرات بالتالي يكون لها أثر إيجابي شاف على صحة المريض بإذن الله.
3- الأثر الشافي لبعض المفاهيم من القرآن والسنة التي تساعد المريض على التخلص من المشاعر السلبية:
ثبتت فعالية بعض المفاهيم من القرآن والسنة الشريفة في التخلص من المشاعر السلبية عند المريض. وقد ثبت بالتجربة العملية أن المشاعر السلبية المختزنة من أقوى العوامل التي تؤدي إلى تثبيط وظائف المناعة عند الإنسان. وثبت أن ضعف أو خلل وظائف المناعة عند الإنسان يؤدي إلى زيادة نسبة الإصابة بالأمراض المختلفة، ومنها ما يهدد الصحة والحياة. وبالتالي فإن الإرشاد النفسي لتعلم كيفية التخلص من المشاعر السلبية هو جزء أساسي في علاج الأمراض المزمنة والتي كان يظن أنها مستعصية على العلاج الشافي. وقد ثبتت فعالية الإرشاد النفسي المبنى على المفاهيم الإسلامية المنبثقة من القرآن، والسنة الشريفة، وهذا على المسلمين وغير المسلمين، لأنه يستند على مفاهيم تتناسب مع فطرة الإنسان، بغض النظر عن ملته. وإن كانت فعالية هذا الإرشاد النفسي تزداد مع زيادة عمق المفاهيم الإيمانية والروحانية عند المريض، وهذا أحد الأهداف المرجو الوصول إليها عند المرضى.
4- الأثر الشافي للسلوكيات الحياتية الإسلامية المنبثقة من التعاليم الإسلامية النابعة من القرآن والسنة الشريفة (ما يسمى بالطب الإسلامي التطبيقي أو السريري أو الإكلينيكى):
وبعد مراجعة نتائج العلاج طويلة المدى (أكثر من خمس سنوات)، تبين أن استعمال الطب الإسلامي السريري في علاج الأمراض التي فشل الطب الحديث في تقديم العلاج الشافي لها؛ قد نجح نجاحاً كبيراً يفوق نجاح علاجات الطب الحديث أضعافاً مضاعفة. وهذا نمط ثابت وراتب بالنسبة لجميع الأمراض المختلفة؛ وإن كانت نسبة ودرجة النجاح متفاوتة من مرض لآخر.
وهذا النجاح عند المرضى المسلمين وعند غير المسلمين على السواء. وهذا مظهر آخر من مظاهر الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، إضافة إلى ما ظهر في السابق في مجال الإعجاز المذكور.
ولقد فرقت العقيدة الإسلامية بين أفعال العباد وإرادتهم، وبين إرادة المولى عز وجل. وقد أوضحت العقيدة الإسلامية بتفصيل متناه في الدقة العلاقة بين الإنسان وإرادته وبين خالقة جل وعلا…
وأحد أبواب الإيمان بالله عز وجل هو التسليم بأن الشفاء والنفع والضر كل ذلك من عند الله عز وجل دون الإخلال بما يملك الإنسان من أفعال يستجلب بها منفعة أو مضرة أو مرضاً أو شفاء يحدث بإذن الله.
ولعل الأطباء المسلمين الذين كانوا في عهد النهضة الإسلامية يدرسون علم التوحيد والفقة إلى جانب دراستهم للعلوم المادية؛ نقول: كان هؤلاء الأطباء الأوائل على دراية وعلم في العقيدة الإسلامية تجعلهم يتعاملون مع المادة تعامل المدرك الواعي…
ولهذا الفهم الصحيح للعلاقة بين الروح والجسد عند أطباء المسلمين، وبين صفاء وردهم من العقيدة فقد المسلمون دافعهم للعلم المادي، كما فقدوا تميزهم بالمعرفة والحقيقة لمراد الله سبحانه وتعالى في خلق الإنسان فابتعدوا عن الغايات النبيلة التي من أجلها أمر المسلمون بالتداوي، ولم يربطوا بين المادة كجزء هام في خلق الجسد الإنساني وبين الروح كمحرك لهذا الجسد…
ومع تقدم سنوات التخلف على العالم الإسلامي انقسم المسلمون إلى قسمين كبيرين، أحدهما مندفع في اتجاه الحضارة المادية البحتة لا يؤمن إلا بما يأتي منها، ولا يعترف بأي علم إلا إذا كان بلسان هذه الحضارة.
والقسم الثاني انفصل بنفسه عن أبواب العلم المادي، وظن أن الدين هو بالتزام العبادات والانشغال بأمور الآخرة، تاركاً الدنيا لأهلها كما يقول.
وبين هذين الفريقين الكبيرين توجد هناك قوى أخرى ضعيفة أو متفرقة، وهم من أبناء المسلمين الذين يعتقدون أنهم أولى من غيرهم بهذا العلم المادي كما أن الأخذ به أحد أهم مقاصد الشريعة الإسلامية. وبالتالي وجب عليهم أن يأخذوا بهذا العلم وجوب كفاية. وأن يتقدموا فيه، بل ويتقدموا على غيرهم…
إن هؤلاء القلة الذين تزداد كثرتهم في السنوات الأخيرة بفضل الله عز وجل يحاربون على ثلاث جبهات: أولها جبهة أهل الكفر الذين لا يعترفون بميزان غير ميزان المادة، وجبهة أبناء المسلمين الذين يسخرون من تدينهم، وجبهة الآخرين من أبناء المسلمين الذين يهزؤون بعلمهم المادي…
إن ندوة التشافي بالقرآن التي نعيش في هذه الأيام تحت ظلالها هي إحدى المحاولات الجادة التي نعتقد أنها ستحقق الرابط الصحيح-كما نتمنى- بين العلم الديني والعلم المادي.
وإذا كان فقهاء هذه الندوة قد تكلموا في شرعية الرقى بالقرآن الكريم وبالسنة النبوية، أو بما يصح من ألفاظ طيبة، وبينوا جواز حكمها الشرعي، ثم عرجوا بعد ذلك بشيء، من التفصيل نحو شروط الرقية والراقي، ومن تُلقى عليه الرقية، وأوضحوا الحكم الشرعي فيها فإنهم في الحقيقة وضعوا الأطباء في بداية الطريق- فتحوا لهم باباً من أبواب المندوب-على أقل تقدير. حتى يبدأ الأطباء المسلمون في دخول هذا الباب، والبحث في جوانبه بما يمكن أن يحقق للمسلمين فائدة صحية لا يستغني عنها المرضى …مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل"(125).