المتحف في معنى السبعة أحرف
عدنان بن أحمد البحيصي
رسالة موجزة كتبها الباحث مستعرضاً فيها بعض الأحاديث الدالة على نزول القرآن على سبعة أحرف، ومعنى الحرف في اللغة وأشهر أقوال العلماء ثم مرجحاً بينها.
المتحف في معنى السبعة أحرف
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد لله الذي أنزل على عبده القرآن ولم يجعل له عوجاً ،والصلاة والسلام على خير خلق الله إيماناً وعملا، محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه إلى يوم الدين وبعد :
فقد أختلف العلماء قديماً وحديثاً في معنى الأحرف التي نزل بها القرآن ، وتباينت أراؤهم، فعزمت أن أكتب رسالة موجزة أضمنها للأدلة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على نزول القرآن في اللغة ، ثم معنى الحرف في اللغة ثم ذاكراً لأشهر الأراء في هذه المسألة مرجحاً لما ترجح عندي وأسميت هذه الرسالة"المتحف في معنى السبعة أحرف"
والله أسأل أن يتقبل مني العمل ويغفر لي الزلل ، إنه ولي ذلك والقادر عليه
وكتبها عدنان بن أحمد البحيصي
الفصل الأول وفيه خمسة مسائل:
المسألة الأولى: معنى الحرف في اللغة
المسألة الثانية: حديث نزول القرآن بغير لغة قريش على ثلاثة أحرف
المسألة الثالثة: حديث نزول القرآن على سبعة أحرف
المسألة الرابعة: الاختلاف بين الأحرف في القرآن
المسألة الخامسة: عدة الأحرف سبعة على الحقيقة
المسألة الأولى: معنى الأحرف في اللغة
قال ابن منظور في لسان العرب:
حرف: الحرف من حروف الهجاء معروف، واحد من التهجي.
الحرف: الأداة التي تسمى الرابطة، لأنها تربط الاسم بالاسم والفعل بالفعل، كعن وعلى، ونحوهما
المسألة الثانية: حديث نزول القرآن بغير لغة قريش على ثلاثة أحرف
جاءت أحاديث كثيرة دلت على أن القرآن نزل بلغة قريش وبثلاث لغات غيرها ، فقد أخرج الحاكم في مستدركه، والإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنزل القرآن على ثلاثة أحرف".(1)
لكن لنا كلمة في أسانيد الحديث السابق، فكل روايته تدور حول رواية الحسن عن سمرة، والحسن متكلم فيه ، واتهمه البعض بالتدليس فهو يروي عمن لم يدركهم وعمن لم يسمع منهم من الصحابة(2).
غير أن البخاري والترمذي وعلي بن المديني وأحمد وأبو داود إلى سماع الحسن من سمره، فقد روى البخاري منه سماعاً منه لحديث العقيقة ، وثمة أحاديث أخرى رواها الحسن عن سمرة غالبها في السنن الأربعة وعن علي بن المديني أن كلها سماع، كذا حكى الترمذي عن البخاري(3)
والحديث الذي رواه الحاكم في مستدركه قال فيه :" وقد احتج البخاري برواية الحسن عن سمرة، واحتج مسلم بأحاديث حماد بن سلمة ، وهذا الحديث صحيح وليس له عله " وأقره الذهبي.
وهذا ما نقره كذلك بعد تمحيص للأراء في سماع الحسن عن سمرة
المسألة الثالثة: حديث نزول القرآن على سبعة أحرف
لقد جاءت أحاديث صحيحة دلت على أن القرآن نزل على سبع أحرف، فقد روى البخاري وباقي الستة عدا ابن ماجه أن عمر بن الخطاب قال:" سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سم فلبّبته بردائه فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ، قال أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقلت له : كذبت أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت :إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال :أرسله ، اقرأ يا هشام فقرأ السورة التي سمعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:كذلك أنزلت ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأ يا عمر ، فقرأت التي أقرأني فقال:كذلك أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ، فاقرأوا ما تيسر منه "
المسألة الرابعة: الاختلاف بين الأحرف في القرآن
أخرج الإمام مسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده والطبري عن أبي بن كعب انه قال:" كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت:" إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرآ، فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقاً وكأني أنظر إلى الله فرقاً ، فقال لي :
يا أبي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي فرد علي الثانية أقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثالثة أقرأه على سبع أحرف فلك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها فقلت: اللهم أغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم عليه السلام"
كما روى الإمام مسلم في صحيحه والنسائي بلفظه ، والطبري كمثله ، وابن ابي شيبة مختصراً: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار فأتاه جبريل عليه السلام فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف ، فقال : أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك ثم أتاه الثانية فقال :إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين ، فقال :أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك على ثلاثة أحرف فقال :أسأل الله معافاته ومغفرته ، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاءه الرابعة فقال له : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا"
ومما يدل عليه حديث أبي رضي الله عنه أن تباين الأحرف السبعة كائن في القراءة وهيئات النطق بالقرآن الكريم، لأن أبياً رضي الله عنه استمع لتلاوة الرجلين في الصلاة فاستنكر مخالفتهما بما يعهده في التلاوة ، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم بقرآنية تلاوتهما ، حيث أنزل القرآن على سبع أحرف تسهيلاً للأمة نظراً لاختلاف لهجات العرب وألسنتهم.
قال ابن قتيبة : "وكل هذه الحروف كلام الله تعالى، نزل به الروح الأمين على رسوله عليه السلام، وذلك أنه كان يعارضه في كل شهر من شهور رمضان بما اجتمع عنده من القرآن فيحدث الله إليه من ذلك ما يشاء ، وينسخ ما يشاء وييسر على عباده ما يشاء ، فكان من تيسيره أن أمره بأن يُقريء كل قوم بلغتهم وما جرت عليه عادتهم...." (1)
ويدل حديث أبي ، أن الشيطان قد يستغل تساؤل المرء كيف يقرأ كلام الله على سبعة أوجه؟
فيقذف الشك في نفس هذا الرجل ليكدر صفو إيمانها، ويوهن من قوة يقينها بالله ورسوله وكتابه.
لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج أبياً بضربة نبوية على صدره، ليزول الشك قبل أن يستقر في قلبه، فهو رضي الله عنه غير مؤاخذ لأن الشك ما استقر في قلبه ، فكان كما قال القرطبي في تفسيره :" ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما أصابه من ذلك الخاطر نبهه بأن ضربه في صدره، فأعقب ذلك أن انشرح صدره، وتنور باطنه حتى آل به الكشف والشرح إلى حال المعاينة، ولما ظهر له قبح ذلك الخاطر خاف من الله تعالى وفاض بالعرق استحياءً من الله تعالى، فكأن هذا الخاطر من قبيل ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم حين سألوه : إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال :"وقد وجدتموه"! قالوا نعم ، قال : ذلك صريح الإيمان"(2)
المسألة الخامسة: عدة الأحرف سبعة على الحقيقة
تدل الأحاديث الواردة أن المراد بالأحرف السبعة هي سبعة على الحقيقة، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما طلب الاستزادة منها ما طلب ذلك إلا تخفيفاً للأمة.
كما تدل الأثار أن كل حرف من الحروف السبعة المنزلة قرآن والقراءة بحرف واحد منها كافي لأن كل حرف مستغن بذاته عن غيره
قال الطبري رحمه الله في معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كل شاف كاف" : ( فإنه كما قال جل ثناؤه في صفة القرآن { يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاءٌ لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين } سورة يونس الآية 57 ، جعله الله للمؤمنين شفاء، يستشفون بمواعظه من الأدواء العارضة لصدورهم ببيان آياته )(1)
وبين عبد الرحمن الرازي أن كلاً من الأحرف قرآن يؤدي أغراض القرآن وأثاره فقال :( فأما قوله عليه الصلاة والسلام في الخبر(كلها شاف كاف ) فإن ابن عباس قال:كلها بيان وحكمة شافية للعباد كافية لهم، ومعنى ذلك أن كل حرف من الأحرف السبعة يشفي العباد ويكفيهم ، ليس لأحدها فضل على الآخر بعد كون جميعها منزلاً من عند الله ، وكلامه بكل واحد من الأحرف في الخبر موصوف بالشفاء والكفاية لأهل التنزيل على الجملة نحو (شفاء ورحمة للمؤمنين) (أو ليكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب )(2)
الفصل الثاني وفيه مسألتين:
المسألة الأولى : مذهب العلماء في معنى الأحرف السبعة
المسألة الثانية : هل يتضمن مصحف عثمان الأحرف السبعة؟