طريق الايمان
مرحبا بك زائرنا الكريم زيارتك تسرنا وتسجيلك معنا يشجعنا
طريق الايمان
مرحبا بك زائرنا الكريم زيارتك تسرنا وتسجيلك معنا يشجعنا
طريق الايمان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.




 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ( المقامة النفاقية ) مقامة أدبية في وصف المنافقين

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
حامل الراية
عضو جديد
عضو جديد
حامل الراية


عدد المساهمات : 84
تاريخ التسجيل : 19/02/2008

( المقامة النفاقية ) مقامة أدبية في وصف المنافقين Empty
مُساهمةموضوع: ( المقامة النفاقية ) مقامة أدبية في وصف المنافقين   ( المقامة النفاقية ) مقامة أدبية في وصف المنافقين I_icon_minitimeالأربعاء مارس 19, 2008 7:57 am

( المقامة النفاقية ) مقامة أدبية في وصف المنافقين



موسى بن سليمان السويداء

هذه المقامة هي عبارة عن كلام مسجوع كتبه العلامة أبو عبدالله الزرعي , المعروف بابن القيم الجوزية , في كتابه ) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين ) يصف به أهل النفاق - لا كثرهم الله - , مقتبساً جملةً كبيرة من الكتاب والسنة والنبوية .
فأحببت أن انقله واعرضه بأسلوب جديد , كمقامه أدبية تقريباً للفائدة , وذلك لاشتمله على فوائد علمية تبين أعمالهم وأوصافهم وأخلاقهم . لاسيما أن سجع ابن القيم يفوق في موضوعه وترصيفه , سجع بعض من كتب في فن المقامات , كالسيوطي وغيره .

والآن نبقى مع المقامة النفاقية :
حدثنا أبو عبد الله الزرعي مسلم من أهل العلم , عمّا لقيهُ من أهل النفاق في الحرب والسلم , فقال لنا وهو حزين يعتصر الألم فؤاده , وقد تعجب من خبثهم الذي هو فوق العادة :
(( .. فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه ؟! وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخربوه ؟! وكم من علم له قد طمسوه ؟! وكم من لواء له مرفوع قد وضعوه ؟! وكم ضربوا بمعاول الشبه في أصول غراسه ليقلعوها ؟! وكم عموا عيون موارده بآرائهم ليدفنوها ويقطعوها ؟!.
فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبلية , ولا يزال يطرقه من شبههم سرية بعد سرية . ويزعمون أنهم بذلك مصلحون { أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ } . { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } . اتفقوا على مفارقة الوحي فهم على ترك الاهتداء به مجتمعون { فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } . { يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً } ولأجل ذلك { اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً } .

درست معالم الإيمان في قلوبهم فليسوا يعرفونها , ودثرت معاهده عندهم فليسوا يعمرونها , وأفلت كواكبه النيرة من قلوبهم فليسوا يحيونها , وكسفت شمسه عند اجتماع ظلم آرائهم وأفكارهم فليسوا يبصرونها , لم يقبلوا هدى الله الذي أرسل به رسوله , ولم يرفعوا به رأسا , ولم يروا بالإعراض عنه إلى آرائهم وأفكارهم بأسا . خلعوا نصوص الوحي عن سلطنة الحقيقة , وعزلوها عن ولاية اليقين وشنوا عليها غارات التأويلات الباطلة ؛ فلا يزال يخرج عليها منهم كمين بعد كمين . نزلت عليهم نزول الضيف على أقوام لئام ؛ فقابلوها بغير ما ينبغي لها من القبول والإكرام , وتلقوها من بعيد , ولكن بالدفع في الصدور منها والأعجاز . وقالوا : " ما لك عندنا من عبور وإن كان لا بد فعلى سبيل الاجتياز . أعدوا لدفعها أصناف العدد وضروب القوانين " وقالوا لما حلت بساحتهم : " ما لنا ولظواهر لفظية لا تفيدنا شيئا من اليقين ؟ " وعوامهم قالوا : " حسبنا ما وجدنا عليه خلفنا من المتأخرين فإنهم أعلم بها من السلف الماضين , وأقوم بطرائق الحجج والبراهين . وأولئك غلبت عليهم السذاجة وسلامة الصدور , ولم يتفرغوا لتمهيد قواعد النظر , ولكن صرفوا هممهم إلى فعل المأمور وترك المحظور . فطريقة المتأخرين : أعلم وأحكم , وطريقة السلف الماضين أجهل لكنها أسلم ! "(1) .
أنزلوا نصوص السنة والقرآن , منزلة الخليفة في هذا الزمان , اسمه على السكة(2) وفي الخطبة فوق المنابر مرفوع , والحكم النافذ لغيره فحكمه غير مقبول ولا مسموع(3) .
لبسوا ثياب أهل الإيمان , على قلوب أهل الزيغ والخسران , والغل والكفران ؛ فالظواهر ظواهر الأنصار , والبواطن قد تحيزت إلى الكفار , فألسنتهم ألسنة المسالمين , وقلوبهم قلوب المحاربين . ويقولون { آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } .
رأس مالهم الخديعة والمكر , وبضاعتهم الكذب والختر , وعندهم العقل المعيشي أن الفريقين عنهم راضون , وهم بينهم آمنون : { يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } .

قد نهكت أمراض الشبهات والشهوات قلوبهم فأهلكتها , وغلبت القصود السيئة على إراداتهم ونياتهم فأفسدتها ؛ ففسادهم قد ترامى إلى الهلاك فعجز عنه الأطباء العارفون { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } . من علقت مخالب شكوكهم بأديم إيمانه مزقته كل تمزيق ، ومن تعلق شررُ فتنتهم بقلبه ألقاه في عذاب الحريق , ومن دخلت شبهات تلبيسهم في مسامعه حال بين قلبه وبين التصديق , ففسادهم في الأرض كثير , وأكثر الناس عنه غافلون { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ } .
المتمسك عندهم بالكتاب والسنة صاحب ظواهر مبخوس حظه من المعقول , والدائر مع النصوص عندهم كحمار يحمل أسفارا فهمه في حمل المنقول , وبضاعة تاجر الوحي لديهم كاسدة , وما هو عندهم بمقبول . وأهل الإتباع عندهم سفهاء فهم في خلواتهم ومجالسهم بهم يتطيرون { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ } .
لكل منهم وجهان , وجه يلقى به المؤمنين , ووجه ينقلب به إلى إخوانه من الملحدين . وله لسانان : أحدهما يقبله بظاهره المسلمون , والآخر يترجم به عن سره المكنون { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } .

قد أعرضوا عن الكتاب والسنة استهزاءً بأهلهما واستحقاراً , وأبوا أن ينقادوا لحكم الوحيين , فرحا بما عندهم من العلم الذي لا ينفع الاستكثار منه أشراً واستكباراً ! فتراهم أبدا بالمتمسكين بصريح الوحى يستهزئون { اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } .
خرجوا في طلب التجارة البائرة في بحار الظلمات ؛ فركبوا مراكب الشبه والشكوك تجري بهم في موج الخيالات ؛ فلعبت بسفنهم الريح العاصف فألقتها بين سفن الهالكين { أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } .
أضاءت لهم نار الإيمان فأبصروا في ضوئها مواقع الهدى والضلال , ثم طفىء ذلك النور وبقيت ناراً تأجج ذات لهب واشتعال . فهم بتلك النار معذبون , وفي تلك الظلمات يعمهون { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ } .
أسماع قلوبهم قد أثقلها الوقر فهي لا تسمع منادي الإيمان . وعيون بصائرهم عليها غشاوة العمى فهي لا تبصر حقائق القرآن . وألسنتهم بها خرس عن الحق فهم به لا ينطقون { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ } .

صاب عليهم صيب الوحي , وفيه حياة القلوب والأرواح ؛ فلم يسمعوا منه إلا رعد التهديد والوعيد والتكاليف التي وظعت عليهم في المساء والصياح , فجعلوا أصابعهم في آذانهم , واستغشوا ثيابهم , وجدوا في الهرب والطلب في آثارهم والصياح , فنودي عليهم على رءوس الأشهاد وكشفت حالهم للمستبصرين , وضرب لهم مثلان بحسب حال الطائفتين , منهم : المناظرين والمقلدين . فقيل { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ } .
ضعفت أبصار بصائرهم عن احتمال ما في الصيب من بروق أنواره وضياء معانيه , وعجزت أسماعهم عن تلقي وعوده وعيده وأوامره ونواهيه ؛ فقاموا عند ذلك حيارى في أودية التيه ؛ لا ينتفع بسمعه السامع ولا يهتدي ببصره البصير { كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .
لهم علامات يعرفون بها مبينة في السنة والقرآن , بادية لمن تدبرها من أهل بصائر الإيمان , قام بهم والله الرياء وهو أقبح مقام قامه الإنسان , وقعد بهم الكسل عما أمروا به من أوامر الرحمن , فأصبح الإخلاص عليهم لذلك ثقيلا { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } .

أحدهم كالشاة العائرة بين الغنمين تيعر إلى هذه مرة , وإلى هذه مرة , ولا تستقر مع إحدى الفئتين , فهم واقفون بين الجمعين ينظرون , أيهم أقوى وأعز قبيلا { مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } .
يتربصون الدوائر بأهل السنة والقرآن . فإن كان لهم فتح من الله قالوا : ألم تكن معكم ؟ وأقسموا على ذلك بالله جهد أيمانهم . وان كان لأعداء الكتاب والسنة من النصرة نصيب قالوا : ألم تعلموا أن عقد الإخاء بيننا محكم وان النسب بيننا قريب ؟ فيا من يريد معرفتهم ! خذ صفتهم من كلام رب العالمين فلا تحتاج بعده دليلاً { الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } .
يعجب السامع قول أحدهم لحلاوته ولينه , ويشهد الله على ما في قلبه من كذبه ومينه ! فتراه عند الحق نائماً وفي الباطل على الأقدام . فخذ وصفهم من قول القدوس السلام { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ } .
أوامرهم التي يأمرون بها أتباعهم متضمنة لفساد البلاد والعباد , ونواهيهم عما فيه صلاحهم في المعاش والمعاد , وأحدهم تلقاه بين جماعة أهل الإيمان في الصلاة والذكر والزهد والاجتهاد { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ } .

فهم جنس بعضه يشبه بعضا . يأمرون بالمنكر بعد أن يفعلوه , وينهون عن المعروف بعد أن يتركوه , ويبخلون بالمال في سبيل الله ومرضاته أن ينفقوه . كم ذكرهم الله بنعمه فأعرضوا عن ذكره ونسوه ؟ وكم كشف حالهم لعباده المؤمنين ليتجنبوه ؟ فاسمعوا أيها المؤمنون { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } . إن حاكمتهم إلى صريح الوحي وجدتهم عنه نافرين , وإن دعوتهم إلى حكم كتاب الله وسنة رسوله رأيتهم عنه معرضين , فلو شهدت حقائقهم لرأيت بينها وبين الهدى أمدا بعيدا , ورأيتها معرضة عن الوحي إعراضا شديدا { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً } .
فكيف لهم بالفلاح والهدى ؟ بعد ما أصيبوا في عقولهم وأديانهم وأنى لهم التخلص من الضلال والردى ! وقد أشترا الكفر بإيمانهم فما أخسر تجارتهم البائرة ! وقد استبدلوا بالرحيق المختوم حريقاً { فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً } .

نشب زقوم الشبه والشكوك في قلوبهم فلا يجدون له مسيغاً { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } .
تباًّ لهم , ما أبعدهم عن حقيقة الإيمان ! وما أكذب دعواهم للتحقيق والعرفان . فالقوم في شأن وأتباع الرسول في شأن ! لقد أقسم الله جل جلاله في كتابه بنفسه المقدسة قسما عظيما يعرف مضمونه أولو البصائر . فقلوبهم منه على حذر إجلالا له وتعظيماً , فقال تعالى تحذيرا لأوليائه وتنبيها على حال هؤلاء وتفهيماً { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } . تسبق يمين أحدهم كلامه من غير أن يعترض عليه , لعلمه أن قلوب أهل الإيمان لا تطمئن إليه ؛ فيتبرأ بيمينه من سوء الظن به وكشف ما لديه . وكذلك أهل الريبة يكذبون , ويحلفون ليحسب السامع أنهم صادقون { اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .
تباًّ لهم , برزوا إلى البيداء مع ركب الإيمان . فلما رأوا طول الطريق وبعد الشقة نكصوا على أعقابهم ورجعوا , وظنوا أنهم يتمتعون بطيب العيش ولذة المنام في ديارهم فما متعوا به ولا بتلك الهجعة انتفعوا . فما هو إلا أن صاح بهم الصائح فقاموا عن موائد أطعمتهم والقوم جياع ما شبعوا . فكيف حالهم عند اللقاء ؟ وقد عرفوا ثم أنكروا , وعموا بعد ما عاينوا الحق وأبصروا { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ } .

أحسن الناس أجساماً , وأخلبهم لساناً , وألطفهم بياناً , وأخبثهم قلوباً , وأضعفهم جناناً ؛ فهم كالخشب المسندة التى لا ثمر لها . قد قلعت من مغارسها فتساندت إلى حائط يقيمها , لئلا يطأها السالكون { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } .
يؤخرون الصلاة عن وقتها الأول إلى شرق الموتى(4) ؛ فالصبح عند طلوع الشمس والعصر عند الغروب , وينقرونها نقر الغراب ؛ إذ هي صلاة الأبدان لا صلاة القلوب . ويلتفتون فيها التفات الثعلب , إذ يتيقن أنه مطرود مطلوب . ولا يشهدون الجماعة بل إن صلى أحدهم ففي البيت أو الدكان ! وإذا خاصم فجر , وإذا عاهد غدر , وإذا حدث كذب , وإذا وعد أخلف , وإذا ائتمن خان . هذه معاملتهم للخلق , وتلك معاملتهم للخالق . فخذ وصفهم من أول المطففين وآخر والسماء والطارق , فلا ينبئك عن أوصافهم مثل خبير { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } فما أكثرهم ! وهم الأقلون وما أجبرهم ! وهم الأذلون وما أجهلهم ! وهم المتعالمون وما أغرهم بالله ! إذ هم بعظمته جاهلون { وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } .

إن أصاب أهل الكتاب والسنة عافية ونصر وظهور ساءهم ذلك وغمهم ! وإن أصابهم ابتلاء من الله وامتحان يمحص به ذنوبهم ويكفر به عنهم سيئاتهم أفرحهم ذلك وسرهم ! وهذا يحقق إرثهم وإرث من عداهم , ولا يستوي من موروثه الرسول ومن موروثهم المنافقون { إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ، قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } وقال تعالى في شأن السلفين المختلفين , والحق لا يندفع بمكابرة أهل الزيغ والتخليط { إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } .
كره الله طاعاتهم لخبث قلوبهم وفساد نياتهم فثبطهم عنها وأقعدهم , وأبغض قربهم منه وجواره , لميلهم إلى أعدائه ؛ فطردهم عنه وأبعدهم . وأعرضوا عن وحيه فأعرض عنهم , وأشقاهم وما أسعدهم . وحكم عليهم بحكم عدل لا مطمع لهم في الفلاح بعده , إلا أن يكونوا من التائبين فقال تعالى { وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ } ثم ذكر حكمته في تثبيطهم وإقعادهم , وطردهم عن بابه وإبعادهم , وأن ذلك من لطفه بأوليائه وإسعادهم , فقال وهو أحكم الحاكمين { لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ } .


---------------------------------
1/ هذا الكلام يشير به إلى أهل التأويل " الأشاعرة " في تعاملهم مع نصوص الوحيين .
2/ السكة : الحديدة التي تطبع عليها الدراهم ثم قيل للدراهم المضروبة سكة لأنها ضربت بها . غريب الحديث للخطابي .
3/ المعنى أنهم يحملون الكتاب والسنة ولا يعملون بنصوصها حق العمل وهو إجراء آيات وأحاديث الصفات على ظاهرها كما كان عليه السلف في العقيدة .
4/ نقل المحقق : أن هذا الكلام عبارة عن أثر مروي في صحيح مسلم عن ابن مسعود – رضي الله عنه - .
5/ مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين , ج1 ص607 , تأليف / أبي عبدالله محمد بن قيم الجوزية , دار طيبة , تحقيق /عبد العزيز الجليل .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
لواء الجهاد
عضو جديد
عضو جديد
لواء الجهاد


عدد المساهمات : 101
تاريخ التسجيل : 25/02/2008

( المقامة النفاقية ) مقامة أدبية في وصف المنافقين Empty
مُساهمةموضوع: رد: ( المقامة النفاقية ) مقامة أدبية في وصف المنافقين   ( المقامة النفاقية ) مقامة أدبية في وصف المنافقين I_icon_minitimeالإثنين أبريل 07, 2008 6:21 am

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


بارك الله فيك أخي حامل على هذه الكلمات الرائعة
جزاك الله خيرا

ننتظر المزيد من مواضيعك المميزة

نفع الله بك الاسلام والمسلمين

ما شاء الله مجهود رائع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
( المقامة النفاقية ) مقامة أدبية في وصف المنافقين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
طريق الايمان :: منتديات المجالس المتنوعة :: المنتدى الأدبي-
انتقل الى: